إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

754 ـ مريم (أمّ عيسى عليه السلام)

مريم بنت عمران بن ماثان: أطهر نساء العالمين، القانتة، البتول، أمّ النبيّ عيسى عليه السلام. وكان أهلها بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم. أمّ مريم هي حنة بنت فاقوذ التي لم تلد حتى أيست وعجزت، ثم تحركت عندها عاطفة الأمومة للولد، فدعت الله تعالى أن يهب له ولداً، ونذرت أن تجعله خادماً للمسجد إن رُزقته. فحملت بمريم فقالت إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة آل عمران: 35، والمعنى: نذرت لك ما أحمله في بطني عتيقاً عن الدنيا وأشغالها خالصاً لله تعالى، وخادماً لبيتك المقدّس. فلما وضعتها إذا هي أنثى، فقالت حنة- وكانت ترجو أن يكون غلاماً- اعتذاراً إلى الله تعالى: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ سورة آل عمران: 36. وقولها :وليس الذكر كالأنثى: أي في خدمة المعبدوالعبادة فيه، لعورتها وضعفها، وما يعتريها من الحيض والنفاس والأذى. ومريم في لغتهم تعني: المعابدة والخادمة.

لما وُلدت مريم أخذتها أمها حنة إلى المحراب ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون الذين كانوا يقومون على أمر بيت المقدس، فتنافسوا فيها واقترعوا عليها- وكانوا تسعة عشر رجلاً- بأن ألقوا أقلامهم أي سهامهم، على نهر جارٍ، فارتفع قلم زكريا زوج خالتها فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في الماء، وذلك قول الله تعالى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا آل عمران: 37. أي قام بأمرها.

نشأت مريم نشأة طهر وعفاف مكللة بعناية الله، ولما بلغت مبلغ النساء نزل عليها المَلَك جبريل- عليه السلام- وأعلمها أنه مرسل من عند الله ليبشرها أن الله سيهب لها غلاماً ذكياً. قال تعالى: فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا سورة مريم: الآيات: 17 ـ 21. فلما قال لها ذلك استسلمت لقضاء الله، فنفخ جبريل في جيب درعها، فلما انصرف عنها لبست مريم درعها وحملت بعيسى عليه السلام.

ولما أثقلت مريم ودنا نفاسها واشتد بها المخاض التجأت إلى نخلة في موضع يقال له بيت لحم. فقالت حين اشتد الأمر يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا سورة مريم: 23 ـ 25.

قالوا لما ولدت مريم عيسى أجرى الله لها نهراً من ماء عذب يكون بارداً إذا هي شربت منه، ويكون فاتراً إذا استعملته، وذلك قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا سورة مريم: 24.

ولما هيأ الله تعالى لمريم أمرها ويسّر لها أسباب ولادتها، أتت تحمل ابنها، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي استنكروا عليها ذلك وقالوا لها أين لك هذا الولد؟ فأشارت مريم إلى عيسى، قالت لهم: كلموه، فغضبوا وقالوا كيف نكلم طفلاً في المهد. فقال عيسى- عليه السلام- وهو في المهد إِنِّي عبداللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا مريم: 30. فأقرّ على نفسه بالعبودية وكان أوّل كلامه تكذيباً للنصارى. وذلك قول الله تعالى: فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عبداللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا مريم: 26 ـ 30.

كانت مريم أجمل النساء وأمثلهن في وقتها، ورُوي عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فضلها قوله: حسبك من نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان، غير مريم وابنها رواه البخاري.

ورد اسم مريم في القرآن 34 مرة، كما أن هناك سورة من سور القرآن الكريم تسمى سورة مريم، وهي من السور المكية، وترتيبها في المصحف الشريف التاسعة عشرة، وعدد آياتها 95 آية. جاءت تسميتها مريم تخليداً لتلك المعجزة الباهرة، في خلق إنسان بلا أب، ثم إنطاق الله للوليد وهو طفل في المهد، وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام.